متفرّقات أقدم القوانين في التاريخ خرجت من بلاد الرافدين.. ماذا تعرف عن شريعة حمورابي؟
في القرون القديمة، ما قبل الميلاد، كان هناك ملكٌ بابليّ (عراقي) استطاع توسيع حكم أجداده، وحكم طيلة 42 عاماً، وفي نهاية حكمه أصدر قانوناً عُرف من حينها وحتى الآن باسمة: شريعة حمورابي.
اعتبرها البعض أوّل قوانين مكتوبة في التاريخ واختلف معهم البعض، لكنّ الذي لا تختلف أي من الدراسات عليه هو أنّها أحد أقدم القوانين المكتوبة في التاريخ، بل وأكثرها اكتمالاً.
حمورابي.. أعظم حكّام بابل القدماء
حمورابي هو الملك السادس في الأسرة البابلية الحاكمة، التي حكمت وسيطرت على وسط بلاد الرافدين (العراق) طيلة ثلاثة قرون، منذ عام 1894 وحتى عام 1595 قبل الميلاد.
تنحدر عائلة حمورابي الحاكمة بالأساس من قبائل العموريين. وهي قبائل شبه بدوية من غرب سوريا، وقد بدأوا منذ القرن الثالث قبل الميلادي بالانتشار في بلاد ما بين النهرين، وكذلك بلاد الشام، وقد اعتبرهم سكّان الحواضر في بلاد العراق والشام القديم خطراً عليهم، وأقاموا أسواراً دفاعية ليحموا بلادهم منهم.
وربما بسبب هذه الخلفية التاريخية لأسرته، يعكس اسمه مزيجاً من الثقافات، إذ تعني حمو في اللغة العمورية "عائلة"، بينما تعني كلمة رابي "عظيم" في اللغة الأكدية التي كانت اللغة اليومية في بابل.
حكم حمورابي من عام 1792 وحتى 1750 ق.م، وفي السنة الثلاثين من حكمه، بدأ في توسيع مملكته جنوب وادي نهري دجلة والفرات، وأطاح بممالك آشور ولارسا وإشنونة وماري، حتى أصبحت كافَّة بلاد الرافدين تحت سيطرته المطلقة، وامتدّ حكمه ليصل حتّى سواحل البحر المتوسط في بلاد الشام.
جمع حمورابي بين تقدُّمه العسكري والسياسي معاً وبين مشاريع الريّ وبناء التحصينات والمعابد التي تحتفي بإله بابل الحامي: مردوخ.
دُفِنَت بابل التي طوّرها حمورابي الآن تحت منسوب المياه الجوفية الضخم في المنطقة، بينما تحلّلت أيّ أرشيفات احتفظ بها منذ زمنٍ بعيد، لكنّ الألواح الطينية التي اكتُشِفَت في المواقع الأثرية القديمة الأخرى تكشف لمحاتٍ من شخصية هذا الملك وفنونه في الحكم.
وبعدما توسّع حمورابي بدولته ليقضي على الممالك المجاورة ويستحوذ عليها واحدةً تلو الأخرى، أنتج أحد أبرز واقدم القوانين في التاريخ البشري، المعروفة بشريعة حمورابي.
تضمّ قوانين حمورابي تلك 282 قانوناً في كافّة جوانب الحياة، السياسية والاجتماعية والعسكرية، بل وضعت معايير التفاعلات التجارية وفرضت الغرامات والعقوبات لتلبية متطلبات العدالة.
وحُفِرَت شريعة حمورابي على مسلة ضخمة من الحجر الأسود على شكل إصبع، قبل أن ينهبها الغزاة لاحقاً ويُعاد اكتشافها في النهاية عام 1901.
ما هي شريعة حمورابي؟
حُفِرَت مسلة الحجر الأسود التي تحتوي على شريعة حمورابي من لوحٍ واحد يبلغ وزنه أربعة أطنان من الديوريت، وهو حجرٌ متين، لكنَّ نحته صعبٌ للغاية.
وفي قِمَّتِهِ يُوجد نقشٌ بارز بارتفاع قدمين ونصف القدم لحمورابي واقفاً يتسلّم القانون -الذي رُمِزَ إليه بصولجان وشريط- من إله العدل البابلي الجالس: شماش. وما تبقى من سبعة أقدام وخمس بوصات مُغطى بصفوف من النصوص المسمارية المحفورة.
والنص الذي جُمِعَ في نهاية عهد حمورابي ليس إعلاناً للمبادئ بقدر ما هو تجميعٌ للسوابق القانونية، وسط الجمل النثرية التي تحتفي بحُكم حمورابي العادل والتقي. وتُقدّم شريعة حمورابي عدداً من أقدم الأمثلة على عقيدة "العين بالعين"، أو قوانين القصاص.